صكّ الشيخ مذكور النصوري، مؤسِّس الإمارة النصورية وأحد أبرز زعماء الهولة من الجبور المنتمين إلى قبيلة بني خالد، عملةً نقدية عربية موحَّدة أطلق عليها اسم "الرائجة"، في خطوة سياسية واقتصادية جريئة تهدف إلى تأكيد استقلال إمارته وترسيخ كيان عربي متميز في منطقة السواحل الفارسية. وقد تميز الشيخ مذكور بحنكته واستقلاله، إذ انعزل إداريًا وسياسيًا عن السلطة الفارسية المركزية، رافضًا الخضوع لهيمنتها، وسعى إلى تعزيز سيادة إمارته من خلال شبكة من التحالفات القبلية والعلاقات الاقتصادية عبر الخليج العربي
لكنّ تلك الخطوة لم تلقَ القبول من القوى المهيمنة في المنطقة، خصوصًا مع اشتداد التحالف الإنجليزي الفارسي الذي سعى إلى كبح التوسع الروسي في الخليج. فقد أسفر هذا التحالف عن دعم مباشر للسلطة القاجارية، ما أدى إلى ازدياد نفوذها العسكري، وفرض قبضتها على مناطق كانت حتى ذلك الحين تتمتع بقدر من الاستقلال. في هذا السياق المضطرب، كان إعدام الشيخ مذكور من قبل السلطات الفارسية ضربة قاصمة للإمارة النصورية، إذ مثّل ذلك الإعدام نهاية القيادة الشرعية للإمارة، ومهد الطريق لانهيارها السياسي والعسكري
وكانت إمارة الشيخ مذكور بذلك أولى الإمارات العربية في البر الفارسي التي سقطت تحت وطأة التحالفات الدولية والضغوط الإقليمية، تلتها لاحقًا إمارة الشيخ خزعل الكعبي في الأحواز، التي شكّلت آخر معقل عربي شرقي الخليج. وعلى الرغم من أن القضية الأحوازية نالت اهتمامًا إعلاميًا أوسع، فإن قضية الهولة، وعلى رأسها سقوط الإمارة النصورية، لا تقل أهمية؛ فقد انتهت بهجرة كبيرة للسكان العرب من البر الفارسي إلى السواحل الغربية للخليج العربي، استمرارًا لتقليد تاريخي قديم دأب عليه الهولة في مواجهة التغيرات الجيوسياسية
وهكذا، فإن قضيتي الهولة والأحواز تمثلان وجهين لعملة واحدة، إذ يعكسان مأساة الكيانات العربية في السواحل الشرقية للخليج، بين تجاهل إعلامي هنا وتصفية منظمة هناك، وكلتاهما شاهدة على صراع العرب من أجل البقاء والهوية في وجه قوى الهيمنة والتغيير